وزراء دفاع أربع دول عربيّة فقط (المغرب، الأردن، قطر، تونس)، من مجموع ٤٣ دولة، شاركوا في المُؤتمر الدولي لدعم أوكرانيا الذي نظّمته الولايات المتحدة الأمريكيّة، بينما غابت عنه أكثر من ١٨ دولة عربيّة قرّرت إمّا الانحِياز إلى المُعسكر الروسي، عَلنًا أو سِرًّا، أو التِزام الحِياد الخَجول.
وإذا كان حُضور وزراء دفاع دول ملكيّة وحليفة لأمريكا مِثل الأردن والمغرب وقطر، أمْرًا مُتَوقَّعًا، فإنّ ما كان مُفاجئًا مُشاركة وزير دفاع تونس، الدّولة غير الملكيّة، وغير المحسوبة رسميًّا على المُعسكر الأمريكي، وهذه مُشاركة تطرح العديد من علامات الاستِفهام.
الغالبيّة العُظمى من الدّول التي أرسلت وزراء دفاعها للمُشاركة في هذا المُؤتمر تنتمي لحِلف الناتو، أو على وشَكْ الانضِمام إليه، ومُصنِّعة للأسلحة والمعدّات العسكريّة، ولهذا فالسّؤال الذي يطرح نفسه هو عن مُشاركة الدول العربيّة الأربع فيه، فهي ليست أعضاء في الحِلف المذكور، وليست معروفة بصِناعاتها الحربيّة، المُتقدّمة أو المُتخلّفة، حتى تُساهم بإنتاجها من الدبّابات والمُدرّعات والطّائرات والمُسيّرات والصّواريخ في دعم أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا؟
فإذا كانت جميع دول الخليج التي تحظى بصَداقةِ الولايات المتحدة وحمايتها، باستِثناء دولة قطر، رفضت الدّعوة الأمريكيّة بالمُشاركة، فلماذا تُخاطر هذه الدول الأربع بأمنِها واستِقرارها، بالوقوف في الخندق الأمريكي، وتنحاز إلى موقفها في الحرب الأوكرانيّة التي ليس للعرب والمُسلمين فيها ناقةٌ أو بعير؟
دولة الاحتِلال الإسرائيلي، المُصَنِّعة للدبّابات وأسلحة الدّمار الشّامل النوويّة، والأكثر حلبًا لضرع المُساعدات الأمريكيّة على مدى ٧٤ عامًا، قرّرت المُقاطعة، وتغيّب وزير دفاعها بني غانتس حتى لو أدّى ذلك إلى إغضاب حُلفائها وأولياء أمرها في واشنطن ومُعظم العواصم الأوروبيّة، فعلى أيّ أساس شدّت الدّول الأربع الرّحال إلى برلين للمُشاركة في مُؤتمر لتسليح أوكرانيا، ودعم حُكومتها في مُواجهة الاجتياح الروسي؟
مُؤسِفٌ أن تُشارك الدّول العربيّة الأربع في هذا المُؤتمر، ويكون دورها هامشيًّا، أو كشاهد زور، إكرامًا ومُداهنةً للولايات المتحدة الأمريكيّة، ودُونَ الأخذ في الاعتبار الآثار السلبيّة التي يُمكن أن تلحق بها، وأمنها، واستِقرارها، من جرّاء الانحِياز لطَرفٍ يبدو مهزومًا حتى الآن في حربٍ قد تَطولُ لسَنواتٍ، أو تتحوّل إلى حربٍ عالميّة عُظمى تستخدم فيها أسلحة نوويّة؟
مُشاركة ٤٣ دولة فقط (من مجموع ٢٠٠ دولة في العالم) مُعظمها أعضاء في حِلف النّاتو، أو أوروبيّة أو أُخرى تطمح ببطاقةِ العُضويّة، تكشف عن تراجع مكانه، وقوّة، ونُفوذ الولايات المتحدة، الدّاعية لانعِقاد هذا المُؤتمر في العالم بأسره.
الولايات المتحدة التي يُهرول لتلبية دعواتها بعض العرب، لم تُشَكِّل أو تعقد مُؤتمرًا واحدًا لمُساندة العرب وقضاياهم العادلة، وتسليح الفِلسطينيين العرب لمُقاومة الاحتِلال الإسرائيلي، بل ما حدث هو العكس تمامًا، أيّ حشد ٣٣ دولة لغَزو العِراق واحتِلاله، و٦٦ دولة (أصدقاء سورية) لتدمير سورية، وقبلها نفس العدد والمِظلّة، لتدمير ليبيا وتغيير نِظامها وتحويلها إلى دَولةٍ فاشلةٍ تعمّها الفوضى، ولا ننسى اليمن الذي يُواجه المصير نفسه بسبب التدخّلات الأمريكيّة.
الدّول الأربع العربيّة المُشاركة في هذا الاجتِماع ارتكبت خطأً سياسيًّا استراتيجيًّا كبيرًا، وكان يجب أن لا تُراهن على أيّ حِصان خاسِر أو رابِح وتقف على الحِياد في هذه الحرب، وإذا أرادت الرّهان تماشيًا من غريزتها في المُقامرة، وهي دائمًا خاسرة، فإنّ عليها أن لا تُراهن على الحِصان الأمريكي الذي بدأت شمسه في الغِياب، وبات على وشك فُقدان هيمنته على كُرسي عرش العالم بأسْره، مع صُعود التحالف الروسي الصيني الجديد، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.