بقلم الكاتب والإعلامي حمزة البشتاوي
عاش محمود درويش أبن قرية البروة قضاء عكا عشر سنين من حياته الحافلة بالشعر والحب والموسيقى في مدينة حيفا وفيها بدأت مسيرته الشعرية وقصة الحب الأول في حياته حيث وقع في حب فتاة كانت تعمل في مجال التدقيق اللغوي وتسكن في منزل يبعد أمتار عن منزله في شارع المتنبي وكان صباحه يبدأ برؤيتها وبرائحة البحر والقهوة والتأمل من بعيد مقدماً لها الكثير من الشعر والصمت التأملي فهي أول الحب وليس الحب الأول فقط ولم يرغب محمود درويش في حياته أن يتحدث عن هذا الحب بسبب حرصه على حبيبته ولكن هذا الحب توهج في مخيلته الشعرية الرشيقة كغزالة من دهشة ولوز.
وبقيت حبيبته حاضرة في شعره كحضور حيفا الجميلة التي قال عنها: كان جدي دوماً يرى بأن حيفا أجمل المدن وأنا لم أرى حيفا وجدي لم يرى مدن العالم، ولاحقاً تعلق محمود درويش بحيفا حيث عمل فيها محرراً في جريدة الإتحاد وترأس مجلة الجديد اليسارية وعرّف العالم بالمبدعين الفلسطينيين في المنفى وفي مقدمتهم الأديب غسان كنفاني وأنشأ في مدينة حيفا كما يقول الأصدقاء الأدباء حسن عبادي وعصام خوري حراكاً ثقافياً مميزاً على مستوى الشعر والمسرح والأغنية وعن حبه الأول في حيفا قال محمود درويش في سهرة بيروتية مع صديقه المفكر فواز طرابلسي: ما زلت أحبها ولن أفصح عن إسمها وأسم قريتها الجميلة التي تستلقي على كتف الكرمل بهدوء وأحاول أن أستمر بالصمت ولكنني كلما تذكرتها يختفي الهدوء فأسرع إلى ذاكرتي لترميم الحكاية منذ أن أندلع الضوء والماء والموسيقى من نظرة واحدة على طريق إمتلئ بالعشب والغياب وقد ساوى ما بين قلبه وحيفا حين قال: حيفا تُنسى لأنك دائماً تنسى قلبك ولم ينكسر عشقه للبحر والميناء ورائحة الصنوبر وشرفتها إلى أن فرضت عليه مأساة المنفى والغربة والرحيل والإنتظار ورغم هذا الغياب أستمر حضوره في حيفا من خلال حبه الأول حيث قال: ما دامت هناك فأنا هناك ويذكر أحد أصدقاء الصبا والقلم والذاكرة بأن آخر كلماته في المستشفى قبل أن يلقي إبتسامة الوداع قال: سأرحل إلى هناك إلى حبي الأول في حيفا فقد تأخرت على موعد معها لنتحدث قليلاً عن الحب والشعر وحيفا والذكريات.