يقدّم كتاب المحامية سوسن زهر
يشتمل على وقائع كثيرة مرتبطة بالموضوع المبحوث، وهي تستحقّ وقفة تفصيلية. وفي هذه الإطلالة السريعة أنوّه بأمرين: أولًا، ماهية المحصلة التي تخلص إليها المؤلفة من بحثها هذا، والتي أكدت فيها أنه على الرغم من اعتبار أراضي 1967، بموجب القانون الدولي الإنساني، أراضي محتلة، فإن المحكمة الإسرائيلية العليا لم تعترف إطلاقًا بذلك، وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة، ولم تعترف قط بأن إسرائيل "دولة محتلة". بدلًا من هذا، استخدمت المحكمة مصطلحاتٍ غايتها التهرّب من الاعتراف بوجود احتلال إسرائيلي. وهكذا، على سبيل المثال، فإن عباراتٍ مثل "قوة محتلة" أو "قوة عظمى محتلة" ترِد على الدوام في قرارات القضاة بصيغة "القوة المسيطِرة" أو "الجهة المُسيطرة". وبدلًا من الإشارة إلى الضفة الغربية أرضا محتلة، استخدمت المحكمة مصطلح "المناطق" أو "المناطق المُدارة" أو الاسم التوراتي "أراضي يهودا والسامرة". وبدلًا من "احتلال"، انتهجت المحكمة استخدام مصطلح "حيازة". وسوّغ أحد رؤساء هذه المحكمة الموقف حيال عدم تطبيق معاهدة جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة بأن هذه المعاهدة تسري على أراضٍ احتلتها دولة سيادية شرعية، وبما أنه لم يتم الاعتراف بسيادة الأردن ومصر على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة قبل أن تحتلها إسرائيل في عام 1967، واعتبرت أغلبية الدول سيطرتهما هذه غير شرعية، فإن هذه الأراضي لم تكن تحت سيادة أي دولة من قبل، ما يعني أن إسرائيل لا تُعتبر قوة محتلة.
ثانيًا، يدلّ رفض الغالبية العظمى من طلبات الالتماس التي قدّمها فلسطينيون من أراضي 1967 أو قدمتها منظمات حقوقية باسمهم بالنيابة عنهم، كما يتّضح من قرارات الحكم التي أصدرتها المحكمة العليا، أن هذه المحكمة قامت بتوفير ختم/ مسوّغ قانوني، لا لتعزيز الاحتلال وإدامته فقط، إنما أيضًا لتنفيذ إجراءات عديدة مختلفة تشكل انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، وتعتبر، في جزء كبير منها، "جرائم حرب"، كما جرى تحديدها وتعريفها في نصوص معاهدة روما. وكما هو معروف، اتخذ المدّعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، أخيرا، قرارًا يقضي بفتح تحقيق جنائي في جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية (تلفت مؤلفة الكتاب إلى أن هذا القرار جزء من خطاب جديد آخذ بالتعزّز، سواء بين منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية، أو بين أكاديميين عديدين يسعون إلى دراسة التطورات السياسية والقضائية بما يتجاوز تعريف قوانين الاحتلال التقليدية). ومن المتوقع أن يشمل التحقيق المذكور الجرائم التي وقعت منذ حزيران/ يونيو 2014 فصاعدًا. ولكن ما من شك في أنه سيكون لقرارات الحكم التي أصدرتها المحكمة الإسرائيلية العليا قبل هذا التاريخ، وصادقت من خلالها على ممارسات دولة إسرائيل وإجراءاتها، بوصفها قوة محتلة، وزن جادّ في فحص الوضع القضائي من وجهة نظر السلطات الإسرائيلية، وستكون لها إسقاطاتٌ محليةٌ إسرائيليةٌ على مسألة توفير الحصانة الإسرائيلية المحلية لممارسات الجيش، بما يخالف أحكام القانون الدولي.
ينفض الكتاب الغبار عن دور المحكمة الإسرائيلية العليا في توفير غطاء لاحتلال 1967 وممارسات إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه غايته المحدّدة، ولكن من شأنها أيضًا أن تعيد إلى الأذهان ما يُوصف حتى من باحثين إسرائيليين ليبراليين بأنه دور مفقود لهذه المحكمة في كل ما يتعلق بموضوع احترام حقوق الإنسان، حتى داخل "الخط الأخضر"، حيث اعتبرت هذه الحقوق وما زالت تعتبر بمثابة عائق أمام الدولة، وأمام القدرة على أدائها، وكما لو أنها تقوّض "حقوق الدولة"، ما أفضى إلى عدم رسوخ حقوق الإنسان كجزء من مفهوم إسرائيل للديمقراطية، وإلى بقائها هشّة وغير مضمونة إلى حدٍّ كبيرٍ.